فصل: اختلاف العلماء في استحقاق القاتل السلب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **


تنبيه

أجمع جميع المسلمين على أن مواضع النسك من الحرم كموضع السعي، وموضع رمي الجمار حكمها حكم المساجد، والمسلمون كلهم سواء فيها‏.‏

والظاهر أن ما يحتاج إليه الحجيج من منى، ومزدلفة كذلك، فلا يجوز لأحد أن يضيقهما بالبناء المملوك حتى تضيقا بالحجيج، ويبقى بعضهم لم يجد منزلًا، لأن المبيت بمزدلفة ليلة النحر، وبمنى ليالي أيام التشريق، من مناسك الحج‏.‏

فلا يجوز لأحد أن يضيق محل المناسك على المسلمين، حتى لا يبقى ما يسع الحجيج كله، ويدل له حديث‏:‏ ‏"‏منى مناخ لمن سبق‏"‏ كما تقدم‏.‏

المسألة الخامسة‏:‏ في تحقيق المقام فيما للإمام أن ينفله من الغنيمة، وسنذكر أقوال العلماء في ذلك، وأدلتهم، وما يقتضي الدليل رجحانه‏.‏

اعلم أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة، كما أشرنا له في أول هذه السورة الكريمة، ووعدنا بإيضاحه هنا فذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ إلى أن الإمام لا يجوز له أن ينفل أحدًا شيئًا إلا من الخمس، وهو قول سعيد بن المسيب، لأن الأخماس الأربعة‏.‏ ملك للغانمين الموجفين عليها بالخيل، والركاب‏.‏ هذا مشهور مذهبه، وعنه قول آخر‏:‏ أنها من خمس الخمس‏.‏

ووجه هذا القول‏:‏ أن أخماس الخمس الأربعة، غير خمس الرسول صلى الله عليه وسلم لمصارف معينة في قوله‏:‏ ‏{‏وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏ وأربعة الأخماس الباقية ملك للغانمين‏.‏

وأصح الأقوال عن الشافعي‏:‏ أن الإمام لا ينفل إلا من خمس الخمس، ودليله‏:‏ ما ذكرنا آنفًا‏.‏

وعن عمرو بن شعيب أنه قال‏.‏ لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏:‏ ولعله يحتج بقوله تعالى‏:‏

{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏‏.‏ وذهب الإمام أحمد في طائفة من أهل العلم‏:‏ إلى أن للإمام أن ينفل الربع بعد الخمس في بدأته، والثلث بعد الخمس في رجعته‏.‏

ومذهب أبي حنيفة‏.‏ أن للإمام قبل إحراز الغنيمة أن ينفل الربع، أو الثلث، أو أكثر، أو أقل بعد الخمس، وبعد إحراز الغنيمة لا يجوز له التنفيل إلا من الخمس‏.‏

وقد قدمنا جملة الخلاف في هذه المسألة في أول هذه السورة الكريمة، ونحن الآن نذكر إن شاء الله ما يقتضي الدليل رجحانه‏.‏

اعلم أولًا، أن التنفيل الذي اقتضى الدليل جوازه أقسام‏:‏

الأول‏:‏ أن يقول الإمام لطائفة من الجيش‏.‏ إن غنمتم من الكفار شيئًا، فلكم منه كذا بعد إخراج خمسه، فهذا جائز، وله أن ينفلهم في حالة إقبال جيش المسلمين إلى الكفار الربع، وفي حالة رجوع جيش المسلمين إلى أوطانهم الثلث بعد إخراج الخمس‏.‏

ومالك وأصحابه يقولون‏.‏ إن هذا لا يجوز‏.‏ لأنه تسبب في إفساد نيات المجاهدين، لأنهم يصيرون مقاتلين من أجل المال الذي وعدهم الإمام تنفيله‏.‏

والدليل على جواز ذلك‏.‏ ما رواه حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي الفهري ‏"‏أن النَّبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته‏"‏ أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والحاكم، وابن الجارود‏.‏

واعلم أن التحقيق في حبيب المذكور‏.‏ أنه صحابي، وقال فيه ابن حجر في ‏(‏التقريب‏)‏ مختلف في صحبته، والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرًا، وله ذكر في ‏(‏الصحيح‏)‏ في حديث ابن عمر مع معاوية اهـ‏.‏

وقد روى عنه أبو داود هذا الحديث من ثلاثة أوجه‏.‏

منها‏:‏ عن مكحول بن عبد الله الشامي، قال‏:‏ كنت عبدًا بمصر لامرأة من بني هذيل، فأعتقتني فما خرجت من مصروبها علم إلا حويت عليه، فيما أرى، ثم أتيت الحجاز، فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها، كل ذلك‏:‏ أسأل عن النفل فلم أجد أحدًا يخبرني فيه بشيء، حتى لقيت شيخًا يقال له‏:‏ زياد بن جارية التميمي‏.‏ فقلت له‏:‏ هل سمعت في النفل شيئًا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول‏:‏ شهدت النَّبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة ـ اهـ‏.‏

وقد علمت أن الصحيح أنه صحابي، وقد صرح في هذه الرواية بأنه شهد النَّبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع إلى آخر الحديث‏.‏

ومما يدل على ذلك أيضًا‏:‏ ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث‏"‏ أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان‏.‏

وفي رواية عند الإمام أحمد‏:‏ كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعًا ـ وكل الناس ـ نفل الثلث، وكان يكره لأنفال، ويقول‏:‏ ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم‏.‏

وهذه النصوص تدل على ثبوت التنفيل من غير الخمس‏.‏

ويدل لذلك أيضًا‏:‏ ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن معن بن يزيد قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا نفل إلا بعد الخمس، قال الشوكاني‏:‏ في ‏(‏نيل الأوطار‏)‏‏:‏ هذا الحديث صححه الطحاوي اهـ‏.‏

والفرق بين البدأة والرجعة‏.‏ أن المسلمين في البدأة‏:‏ متوجهون إلى بلاد العدو، والعدو في غفلة‏.‏ وأما في الرجعة‏:‏ فالمسلمون راجعون إلى أوطانهم من أرض العدو، والعدو في حذر ويقظة، وبين الأمرين فرق ظاهر‏.‏

والأحاديث المذكورة تدل على أن السرية من العسكر إذا خرجت، فغنمت، أن سائر الجيش شركاؤهم، ولا خلاف في ذلك بين العلماء، كما قاله القرطبي‏.‏

الثاني‏:‏ من الأقسام التي اقتضى الدليل جوازها‏:‏ تنفيل بعض الجيش، لشدة بأسه، وغنائه، وتحمله ما لم يتحمله غيره، والدليل على ذلك ما ثبتت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، في قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري، على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنقاذه منه‏.‏ قال سلمة‏:‏ فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير فرساننا اليوم، أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة قال‏:‏ ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين‏:‏ سهم الفارس، وسهم الراجل فجمعهما لي جميعًا‏.‏ الحديث‏.‏ هذا لفظ مسلم في صحيحه من حديث طويل‏.‏

وقد قدمنا أن هذه غزوة ‏"‏ذي قرد‏"‏ في سورة ‏"‏النساء‏"‏، ويدل لهذا أيضًا‏:‏ حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم في أول السورة، فإن فيه‏:‏ أن سعدًا رضي الله عنه قال‏:‏ لعله يعطى هذا السيف لرجل لم يبل بلائي، ثم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه لحسن بلائه، وقتله صاحب السيف كما تقدم‏.‏

الثالث‏:‏ من أقسام التنفيل التي اقتضى الدليل جوازها‏:‏ أن يقول الإمام‏:‏ ‏"‏من قتل قتيلًا فله سلبه‏"‏‏.‏

ومن الأدلة على ذلك‏:‏ ما رواه الشيخان في صحيحيهما، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال‏:‏ فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه‏.‏ وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقال‏:‏ ما للناس‏؟‏ فقلت‏:‏ أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏من قتل قتيلًا له عليه بيِّنة فله سلبه‏"‏ قال‏:‏ فقمت، ثم قلت‏:‏ من يشهد لي‏؟‏، ثم جلست، ثم قال مثل ذلك، قال فقمت فقلت من يشهد لي‏؟‏، ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما لك يا أبا قتادة‏؟‏‏"‏ فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم، صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي‏.‏ فأرضه من حقه، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه‏:‏ لا ها الله إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صدق فأعطه إياه‏"‏ فأعطاني، قال‏:‏ فبعت الدرع فابتعت بها مخرفًا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام‏.‏ والأحاديث بذلك كثيرة‏.‏

وروى أبو داود، وأحمد، عن أنس‏.‏ أن أبا طلحة يوم حنين قتل عشرين رجلًا، وأخذ أسلابهم، وفي رواية عنه عند أحمد، أحد وعشرين، وذكر أصحاب المغازي‏:‏ أن أبا طلحة قال في قتله من ذكر‏:‏ أنا أبو طلحة واسمي زيد وكل يوم في سلاحي صيد

والحق أنه لا يشترط في ذلك أن يكون في مبارزة، ولا أن يكون الكافر المقتول مقبلًا‏.‏

أما الدليل على عدم اشتراط المبارزة‏:‏ فحديث أبي قتادة هذا المتفق عليه‏.‏

وأما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلًا إليه‏:‏ فحديث سلمة بن الأكوع، قال‏:‏ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقًا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مُشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله، فأطلق قيده ثم أناخه، وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء‏.‏ قال سلمة‏:‏ وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي، فضربت به رأس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس معه‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏من قتل الرجل‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ ابن الأكوع، قال‏:‏ ‏"‏له سلبه أجمع‏"‏ متفق عليه، واللفظ المذكور لمسلم في ‏"‏كتاب الجهاد والسير‏"‏ في باب ‏"‏استحقاق القاتل سلب القتيل‏"‏، وأخرجه البخاري بمعناه ‏"‏في كتاب الجهاد‏"‏ في باب ‏"‏الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان‏"‏ وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة، وعدم اشتراط قتله مقبلًا لا مدبرًا كما ترى‏.‏

ولا يستحق القاتل سلب المقتول، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتالهم‏.‏

فأما إن قتل امرأة، أو صبيًا، أو شيخًا فانيًا، أو ضعيفًا مهينًا، أو مثخنًا بالجراح لم تبق فيه منفعة، فليس له سلبه‏.‏

ولا خلاف بين العلماء‏:‏ في أن من قتل صبيًا، أو امرأة، أو شيخًا فانيًا، لا يستحق سلبهم، إلا قولًا ضعيفًا جدًا يروى عن أبي ثور، وابن المنذر‏:‏ في استحقاق سلب المرأة‏.‏

والدليل على أن من قتل مثخنًا بالجراح لا يستحق سلبه، أن عبد الله بن مسعود، هو الذي ذفف على أبي جهل يوم بدر، وحز رأسه‏.‏ وقد قضى النَّبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته، ولم يعط ابن مسعود شيئًا‏.‏

وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه، فلا يعارض بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر‏"‏‏.‏ لأنه من رواية ابنه أبي عبيدة، ولم يسمع منه، وكذلك المقدم للقتل صبرًا لا يستحق قاتله سلبه، لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أمر بقتل النضر بن الحارث، العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرًا يوم بدر ولم يعط من قتلهما شيئًا من سلبهما‏.‏

واختلفوا فيمن أسر أسيرًا‏:‏ هل يستحق سلبه إلحاقًا للأسر بالقتل أو لا‏؟‏ والظاهر أنه لا يستحقه، لعدم الدليل‏.‏ فيجب استصحاب عموم ‏{‏وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم‏}‏ حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة، وقد أسر النَّبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، أسارى بدر، وقتل بعضهم صبرًا كما ذكرنا، ولم يعط أحدًا من الذين أسروهم شيئًا من أسلابهم، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة‏.‏

أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين‏:‏ فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه، لأنه حينئذ ممن يجوز قتله، فيدخل في عموم ‏"‏من قتل قتيلًا‏"‏ الحديث، وبهذا جزم غير واحد‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

اختلاف العلماء في استحقاق القاتل السلب

واعلم أن العلماء اختلفوا في استحقاق القاتل السلب، هل يشترط فيه قول الإمام‏:‏ ‏"‏من قتل قتيلًا فله سلبه‏"‏ا أو يستحقه مطلقًا‏.‏ قال الإمام ذلك أو لم يقله‏؟‏

وممن قال بهذا الأخير‏:‏ الإمام أحمد، والشافعي، والأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، والطبري، وابن المنذر‏.‏

وممن قال بالأول‏:‏ الذي هو أنه لا يستحقه إلا بقول الإمام‏:‏ ‏"‏من قتل قتيلًا‏"‏ الخ الإمام أبو حنيفة، ومالك، والثوري‏.‏

وقد قدمنا عن مالك وأصحابه‏:‏ أن قول الإمام ذلك‏:‏ لا يجوز قبل القتال، لئلا يؤدي إلى فساد النية، ولكن بعد وقوع الواقع، يقول الإمام‏:‏ من قتل قتيلًا‏.‏‏.‏‏.‏ الخ‏.‏

واحتج من قال‏:‏ باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقًا‏.‏ بعموم الأدلة لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ صرح بأن من قتل قتيلًا فله سلبه، ولم يخصص بشيء‏.‏ والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما علم في الأصول‏.‏

واحتج مالك، وأبو حنيفة، ومن وافقهما بأدلة‏:‏

منها‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن الأكوع، المتفق عليه السابق ذكره، له سلبه أجمع‏.‏ قالوا‏:‏ فلو كان السلب مستحقًا له بمجرد قتله لما احتاج إلى تكرير هذا القول‏.‏

ومنها‏:‏ حديث عبد الرحمن بن عوف، المتفق عليه في قصة قتل معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين لأبي جهل يوم بدر‏.‏ فإن فيه ‏"‏ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه، فقال‏:‏ أيكما قتله‏؟‏ا، فقال كل واحد منهما‏:‏ أنا قتلته، فقال هل مسحتمًا سيفيكما‏؟‏ قالا‏:‏ لا، فنظر في السيفين، فقال‏:‏ كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح اهـ‏.‏

قالوا‏:‏ فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، المتفق عليه، بأن كليهما قتله، ثم تخصيص أحدهما بسلبه، دون الآخر، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب، إلا بقول الإمام‏:‏ إنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن عفراء وجه، مع أن النَّبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما‏.‏

ومنها‏:‏ ما رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، عن عوف بن مالك قال‏:‏ قتل رجل من حمير، رجلًا من العدو، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان واليًا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلم عوف بن مالك فأخبره‏.‏ فقال لخالد‏:‏ ‏"‏ما منعك أن تعطيه

سلبه‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ استكثرته يا رسول الله، قال‏:‏ ‏"‏ادفعه إليه‏"‏، فمر خالد بعوف فجر بردائه، ثم قال‏:‏ هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فاستغضب فقال‏:‏ لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي، إنما مثلكم ومثلهم، كمثل رجل استرعى إبلًا، أو غنمًا فرعاها، ثم تحين سقيها فأوردها حوضًا فشرعت فيه، فشربت صفوه، وتركت كدره، فصفوة لكم وكدره عليهم‏.‏

وفي رواية عند مسلم أيضًا‏:‏ عن عوف بن مالك الأشجعي، قال‏:‏ خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة، في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن، وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، غير أنه قال في الحديث‏:‏ قال عوف بن مالك‏:‏ فقلت‏:‏ يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل، قال بلى، ولكني استكثرته، هذا لفظ مسلم في صحيحه‏.‏

وفي رواية عن عوف أيضًا، عند الإمام أحمد وأبي داود قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من أهل اليمن، ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له، أشقر، عليه سرج مذهب‏.‏ وسلاح مذهب‏.‏ فجعل الرومي يفري في المسلمين‏.‏ فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه‏.‏ فخر وعلاه فقتله‏.‏ وحاز فرسه‏.‏ وسلاحه‏.‏ فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد‏.‏ فأخذ السلب‏.‏ قال عوف‏:‏ فأتيته‏.‏ فقلت‏:‏ يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قضى بالسلب للقاتل‏.‏ قال‏.‏ بلى ولكن استكثرته‏.‏ قلت‏:‏ لتردنه إليه، أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرد عليه، قال عوف‏:‏ فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصصت عليه قصة المددي، وما فعل خالد، وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم اهـ‏.‏

فقول النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح‏:‏ ‏"‏لا تعطه يا خالد‏"‏ دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل، إذ لو استحقه به، لما منعه منه النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومنها‏:‏ ما ذكره ابن أبي شيبة، قال‏:‏ حدثنا أبو الأحوص، عن الأسود بن قيس، عن شبر بن علقمة قال‏:‏ بارزت رجلًا يوم القادسية، فقتلته، وأخذت سلبه، فأتيت سعدًا، فخطب سعد أصحابه، ثم قال‏:‏ هذا سلب بشر بن علقمة فهو خير من اثني عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه‏.‏

فلو كان السلب للقاتل قضاء من النَّبي صلى الله عليه وسلم، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم، ولأخذه القاتل دون أمرهم، قاله القرطبي‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ‏:‏ أظهر القولين عندي دليلًا، أن القاتل لا يستحق السلب إلا بإعطاء الإمام‏.‏ لهذه الأدلة الصحيحة، التي ذكرنا فإن قيل‏:‏ هي شاهدة لقول إسحاق‏:‏ إن كان السلب يسيرًا فهو للقاتل، ومن كان كثيرًا خمس‏.‏

فالجواب‏:‏ أن ظاهرها العموم مع أن سلب أبي جهل لم يكن فيه كثرة زائدة، وقد منع منه النَّبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء‏.‏

تنبيه

جعل بعض العلماء منشأ الخلاف في سلب القاتل، هل يحتاج إلى تنفيذ الإمام أو لا، هو الإختلاف في قول النَّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قتل قتيلًا‏"‏ الحديث، هل هو حكم‏؟‏ وعليه فلا يعم بل يحتاج دائمًا إلى تنفيذ الإمام، أو هو فتوى‏؟‏ فيكون حكمًا عامًا غير محتاج إلى تنفيذ الإمام‏.‏

قال صاحب ‏(‏نشر البنود‏)‏ شرح ‏(‏مراقي السعود‏)‏ في شرح قوله‏:‏ وسائر حكاية الفعل بما منه العموم ظاهرًا قد علما

ما نصه‏:‏ ‏"‏تنبيه‏"‏،‏:‏ حكى ابن رشيد خلافًا بين العلماء، في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قتل قتيلًا له عليه بينة، فله سلبه‏"‏، هل يحتاج سلب القتيل إلى تنفيذ الإمام، بناء على أن الحديث حكم فلا يعم، أو لا يحتاج إليه بناء على أنه فتوى، وكذا قوله الهند‏:‏ ‏"‏خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف‏"‏ فيه خلاف‏.‏ هل هو حكم فلا يعم، أو فتوى فيعم‏.‏

قال ميارة في التكميل‏:‏ وفي حديث هند الخلاف هل حكم يخصها أو افتاء شمل

واعلم أن العلماء اختلفوا في السلب، هل يخمس أو لا‏؟‏ على ثلاثة أقوال‏:‏

الأول‏:‏ لا يخمس‏.‏

الثاني‏:‏ يخمس‏.‏

الثالث‏:‏ إن كان كثيرًا خمس، وإلا فلا‏.‏

وممن قال‏:‏ إنه لا يخمس، الشافعي، وأحمد، وابن المنذر، وابن جرير، ويروى عن سعد بن أبي وقاص‏.‏

وممن روي عنه أنه يخمس‏:‏ ابن عباس، والأوزاعي، ومكحول‏.‏

وممن فرق بين القليل والكثير‏:‏ إسحاق، واحتج من قال‏:‏ لا يخمس بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والطبراني، عن عوف بن مالك، وخالد بن الوليد رضي الله عنهما‏.‏ أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب‏.‏

وقال القرطبي في تفسيره، بعد أن ساق حديث عوف بن مالك الذي قدمنا عند مسلم ما نصه‏.‏ ‏"‏وأخرجه أبو بكر البرقاني بإسناده، الذي أخرجه به مسلم، وزاد بيانًا أن عوف بن مالك، قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب‏"‏ اهـ‏.‏

وقال ابن حجر في ‏(‏التلخيص‏)‏ في حديث خالد وعوف المتقدم، ما لفظه‏:‏ ‏"‏وهو ثابت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ في حديث طويل فيه قصة لعوف مع خالد بن الوليد، وتعقبه الشوكاني في ‏(‏نيل الأوطار‏)‏ بما نصه‏:‏ وفيه نظر، فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم، بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبًا، وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش، وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارًا‏"‏، اهـ‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ‏:‏ وقد قدمنا حديث عوف المذكور بلفظ مسلم في صحيحه، وليس فيه ما ذكره الحافظ بن حجر، فهو وهم منه، كما نبه عليه الشوكاني رحمهما الله تعالى‏.‏

والتحقيق في إسماعيل بن عياش أن روايته عن غير الشاميين ضعيفة‏.‏ وهو قوي في الشاميين، دون غيرهم‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ‏:‏ وهذا الحديث من رواية إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، وإسماعيل، وشيخه في هذا الحديث، الذي هو صفوان بن عمرو، كلاهما حمصي، فهو بلدي له‏:‏

وبه تعلم صحة الاحتجاج بالحديث المذكور، مع قوة شاهده، الذي قدمنا عن أبي بكر البرقاني، بسند على شرط مسلم‏.‏

واحتج من قال بأن السلب يخمس‏:‏ بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ‏}‏ ‏.‏

واحتج من قال‏:‏ يخمس الكثير دون اليسير‏:‏ بما رواه أنس، عن البراء بن مالك ‏"‏أنه قتل من المشركين مائة رجل، إلا رجلًا مبارزة، وأنهم لما غزوا الزاره، خرج دهقان الزاره، فقال‏:‏ رجل ورجل، فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما، ثم اعتنقا فتوركه البراء فقعد على كبده، ثم أخذ السيف فذبحه، وأخذ سلاحه ومنطقته، وأتى به عمر، فنفله السلاح، وقوم المنطقة بثلاثين ألفًا، فخمسها، وقال‏:‏ إنها مال‏"‏ اهـ بنقل القرطبي‏.‏

وقال قبل هذا‏:‏ وفعله عمر بن الخطاب مع البراء بن مالك، حين بارز ‏"‏المرزبان‏"‏ فقتله‏.‏ فكانت قيمة منطقته، وسواريه ثلاثين ألفًا، فخمس ذلك اهـ‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏:‏ وقال إسحاق‏:‏ إن استكثر الإمام السلب، فذلك إليه، لما روى ابن سيرين أن البراء بن مالك بارز ‏"‏مرزبان‏"‏ الزاره بالبحرين فطعنه، فدق صلبه، وأخذ سواريه، وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة في داره، فقال‏:‏ إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالًا، وأنا خامسه‏.‏ فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء‏.‏ رواه سعيد في السنن‏.‏

وفيها أن سلب البراء بلغ ثلاثين ألفًا‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ‏:‏ أظهر الأقوال دليلًا عندي أن السلب لا يخمس لحديث عوف وخالد المتقدم، ويجاب عن أخذ الخمس من سلب البراء بن مالك، بأن الذي تدل عليه القصة أن السلب لا يخمس‏:‏ لأن قول عمر إنا كنا لا نخمس السلب، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام‏:‏ يدل على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأبا بكر، وعمر صدرًا من خلافته لم يخمسوا سلبًا، واتباع ذلك أولى‏.‏

قال الجوزجاني‏:‏ لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه‏.‏ ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏، والأدلة التي ذكرنا يخصص بها عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ‏}‏‏.‏

واختلف العلماء فيما إذا ادعى أنه قتله، ولم يقم على ذلك بينة، فقال الأوزاعي‏:‏ يعطاه بمجرد دعواه، وجمهور العلماء على أنه لا بد من بينة على أنه قتله، قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ‏:‏ لا ينبغي أن يختلف في اشتراط البينة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ‏"‏من قتل قتيلًا له عليه بينة‏"‏ الحديث، فهو يدل بإيضاح على أنه لا بد من البينة، فإن قيل‏:‏ فأين البينة التي أعطى بها النَّبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سلب قتيله السابق ذكره‏.‏

فالجواب من وجهين‏:‏ الأول‏:‏ ما ذكره القرطبي في تفسيره‏:‏ قال‏:‏ سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم يقول‏:‏ إنما أعطاه النَّبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الأسود بن خزاعي‏.‏ وعبد الله بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال، ويطرد الحكم اهـ‏.‏

الثاني‏:‏ أنه أعطاه إياه بشهادة الرجل الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صدق، سلب ذلك القتيل عندي‏"‏، الحديث، فإن قوله ‏"‏صدق‏"‏ شهادة صريحة لأبي قتادة أنه هو الذي قتله‏.‏ والاكتفاء بواحد في باب الخبر، والأمور التي لم يقع فيها ترافع قال به كثير من العلماء، وعقده ابن عاصم المالكي في تحفته بقوله‏:‏ وواحد يجزىء في باب الخبر واثنان أولى عند كل ذي نظر

وقال القرطبي في تفسيره‏:‏

إن أكثر العلماء على إجزاء شهادة واحد، وقيل‏:‏ يثبت ذلك بشاهد ويمين، والله أعلم‏.‏

وأما على قول من قال‏:‏ إن السلب موكول إلى نظر الإمام، فللإمام أن يعطيه إياه، ولو لم تقم بينة، وإن اشترطها فذلك له، قاله القرطبي، والظاهر عندي أنه لا بد من بينة لورود النص الصحيح بذلك‏.‏

واختلف العلماء في السلب ما هو‏؟‏

قال مقيده عفا الله عنه‏.‏ لهذه المسألة طرفان، وواسطة‏.‏

طرف أجمع العلماء على أنه من السلب‏:‏ وهو سلاحه، كسيفه، ودرعه، ونحو ذلك، وكذلك ثيابه‏.‏

وطرف أجمع العلماء على أنه ليس من السلب‏:‏ وهو ما لو وجد في هميانه، أو منطقته دنانير‏.‏ أو جواهر، أو نحو ذلك‏.‏

وواسطة اختلف العلماء فيها‏:‏ منها فرسه الذي مات وهو يقاتل عليه، ففيه للعلماء قولان‏:‏ وهما روايتان عن الإمام أحمد، أصحهما أنه منه، ومنها ما يتزين به للحرب، فقال الأوزاعي‏:‏ ذلك كله من السلب، وقالت‏:‏ فرقة ليس منه، وهذا مروي عن سحنون إلا المنطقة، فإنها عنده من السلب، وقال ابن حبيب في الواضحة، والسواران من السلب، والله أعلم‏.‏

واعلم أن حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد‏.‏ وفيهم ابن عمر، وأن سهمناهم بلغت اثني عشر بعيرًا، ونفلوا بعيرًا بعيرًا، دليل واضح على بطلان قول من قال‏:‏ ‏"‏لا تنفيل إلا من خمس الخمس‏"‏ لأن الحديث صريح في أنه نفلهم نصف السدس‏.‏

ولا شك أن نصف السدس أكثر من خمس الخمس، فكيف يصح تنفيل الأكثر من الأقل، وهو واضح كما ترى، وأما غير ذلك من الأقوال، فالحديث محتمل له‏.‏

والذي يسبق إلى الذهن، أن ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمر بلفظ ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش، والخمس في ذلك واجب كله اهـ‏.‏

يدل على أن ذلك التنفيل من الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو ما دل عليه حديث حبيب بن سلمة المتقدمِّ، وهو الظاهر المتبادر خلافًا لما قاله ابن حجر في ‏(‏الفتح‏)‏ من أنه محتمل لكل الأقوال المذكورة، والله تعالى أعلم‏.‏

المسألة السادسة‏:‏ الحق الذي لا شك فيه أن الفارس يعطى من الغنيمة ثلاثة أسهم‏:‏ سهمان لفرسه، وسهم لنفسه، وأن الراجل يعطى سهمًا واحدًا، والنصوص الصحيحة مصرحة بذلك، فمن ذلك حديث ابن عمر المتفق عليه، ولفظ البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ جعل للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا‏"‏‏.‏

ولفظ مسلم، حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر، ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين، وللرجل سهمًا‏"‏ اهـ‏.‏

وأكثر الروايات بلفظ ‏"‏وللرجل‏"‏، فرواية الشيخين صريحة فيما ذكرنا، وبذلك فسره راوية نافع، قال البخاري في صحيحه في غزوة خيبر‏:‏ قال‏:‏ فسره نافع، فقال‏:‏ إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم اهـ‏.‏ وذلك هو معناه الذي لا يحتمل غيره في رواية الصحيحين المذكورة‏.‏

ومنها ما رواه أبو داود، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبيد الله‏.‏ عن نافع، عن ابن عمر ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم‏:‏ سهمًا له، وسهمين لفرسه‏"‏‏.‏

حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو معادية، ثنا عبد الله بن يزيد، حدثني المسعودي، حدثني أبو عمرة عن أبيه، قال‏:‏ ‏"‏أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر، ومعنا فرس، فأعطى كل واحد منا سهمًا، وأعطى الفرس سهمين‏"‏‏.‏

وممن قال بهذا الأئمة الثلاثة‏:‏ مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين،وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي والثوري‏.‏

والليث، وحسين بن ثابت، وأبي يوسف، ومحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وابن جرير، وأبي ثور‏.‏

وخالف أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ الجمهور فقال‏:‏ للفارس سهمان، وللراجل سهم‏.‏ محتجًا بما جاء في بعض الروايات ‏"‏أنه صلى الله عليه وسلم، قسم يوم خيبر للفارس سهمين، وللراجل سهما‏"‏ رواه أبو داود من حديث مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه، وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن، ويجاب عنه من وجهين‏:‏

الأول‏:‏ أن المراد بسهمي الفارس خصوص السهمين الذين استحقهما بفرسه، كما يشعر به لفظ الفارس‏.‏

الثاني‏:‏ أن النصوص المتقدمة أصح منه، وأولى بالتقديم، وقد قال أبو داود‏:‏ حديث أبي معاوية أصح، والعمل عليه، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال‏:‏ ثلاثمائة فارس، وكانوا مائتي فارس اهـ‏.‏

وقال النووي في ‏(‏شرح مسلم‏)‏‏:‏ لم يقل يقول أبي حنيفة هذا أحد، إلا ما روي عن علي، وأبي موسى اهـ‏.‏

وإن كان عند بعض الغزاة خيل فلا يسهم إلا لفرس واحد، وهذا مذهب الجمهور منهم مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، والحسن، ومحمد بن الحسن، وغيرهم‏.‏

واحتجوا بأنه لا يمكنه أن يقاتل إلا على فرس واحد، وقال الأوزاعي والثوري، والليث، وأبو يوسف‏:‏ يسهم لفرسين دون ما زاد عليهما، وهو مذهب الإمام أحمد، ويروى عن الحسن‏.‏ ومكحول، ويحيى الأنصاري، وابن وهب، وغيره من المالكيين‏.‏

واحتج أهل هذا القول بما روي عن الأوزاعي‏:‏ ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس‏"‏، وبما روي عن أزهر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح، أن يسهم للفرس من سهمين، وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبهما سهم، فذلك خمسة أسهم، وما كان فوق الفرسين فهي جنائب، رواهما سعيد بن منصور، قاله ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏.‏

واحتجوا أيضًا بأنه محتاج إلى الفرس الثاني، لأن إدامة ركوب واحد تضعفه، وتمنع القتال عليه فيسهم للثاني، لأنه محتاج إليه كالأول، بخلاف الثالث فإنه مستغني عنه، ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين، إلا شيئًا روي عن سليمان بن موسى، قاله النووي في ‏(‏شرح مسلم‏)‏، وغيره‏.‏

واختلف العلماء في البراذين والهجن على أربعة أقوال‏:‏

الأول‏:‏ أنها يسهم لها كسهم الخيل العراب، وممن قال به مالك، والشافعي، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، ونسبه الزرقاني في ‏(‏شرح الموطأ‏)‏ للجمهور، واختاره الخلال، وقال‏:‏ رواه ثلاثة متيقظون عن أحمد، وحجة هذا القول ما ذكره مالك في موطأه، قال‏:‏ لا أرى البَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ، إلا من الخيل، لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه‏:‏ ‏{‏وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ‏}‏، فأنا أرى البَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ من الخيل إذا أجازها الوالي‏.‏

وقد قال سعيد بن المسيب، وسئل عن البراذين‏:‏ هل فيها من صدقة‏؟‏ قال‏:‏ وهل في الخيل من صدقة‏؟‏ اهـ‏.‏

وحاصل هذا الاستدلال أن اسم الخيل في الآيتين المذكورتين يشمل البراذين والهجن فيهما داخلان في عمومه، لأنهما ليسا في البغال ولا الحمير بل من الخيل‏.‏

القول الثاني‏:‏ أنه يسهم للبرذون والهجين سهم واحد قدر نصف سهم الفرس، واحتج أهل هذا القول بما رواه الشافعي في ‏(‏الأم‏)‏ وسعيد بن منصور من طريق علي بن الأقمر الوادعي، قال‏:‏ أغارت الخيل فأدركت العراب، وتأخرت البراذين، فقام ابن المنذر الوادعي، فقال‏:‏ لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك، فبلغ ذلك عمر فقال‏:‏ هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال، فكان أول من أسهم للبراذين دون سهام العراب، وفي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ ومنا الذي قدسن في الخيل سنة وكانت سواء قبل ذاك سهامها

وهذا منقطع كما ترى‏:‏

واحتجوا أيضًا بما رواه أبو داود في المراسيل، وسعيد بن منصور عن مكحول‏:‏ ‏"‏أن النَّبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر، وعرب العرب فجعل للعربي سهمين، وللهجين سهمًا‏"‏، وهو منقطع أيضًا كما ترى، وبه أخذ الإمام أحمد في أشهر الروايات عنه‏.‏

واحتجوا أيضًا بأن أثر الخيل العراب في الحرب أفضل من أثر البراذين وذلك يقتضي تفضيلها عليها في السهام‏.‏

القول الثالث‏:‏ التفصيل بين ما يدرك من البراذين إدراك العراب، فيسهم له كسهامها، وبين ما لا يدرك إدراكها فلا يسهم له، وبه قال ابن أبي شيبة، وابن أبي خيثمة، وأبو أيوب‏.‏ والجوزجاني‏.‏

ووجهه أنها من الخيل‏.‏ وقد عملت عملها فوجب جعلها منها‏.‏

القول الرابع‏:‏ لا يسهم لها مطلقًا‏.‏ وهو قول مالك بن عبد الله الخثعمي ووجهه أنها حيوان لا يعمل عمل الخيل فأشبه البغال‏.‏

قال ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏:‏ ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق منها، لما روى الجوزجاني بإسناده عن أبي موسى، أنه كتب إلى عمر بن الخطاب‏:‏ إنا وجدنا بالعراق خيلًا عراضًا دكنا، فما ترى يا أمير المؤمنين في سهمائها، فكتب إليه‏:‏ تلك البراذين فما قارب العتاق منها، فاجعل له سهمًا واحدًا، وألغ ما سوى ذلك‏.‏ اهـ‏.‏

والبراذين‏:‏ جمع برذون، بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة، والمراد‏:‏ الجفاة الخلقة من الخيل، وأكثر ما تجلب من بلاد الروم، ولها جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية‏.‏

والهجين‏:‏ هو ما أحد أبويه عربي، وقيل‏:‏ هو الذي أبوه عربي‏.‏ وأما الذي أمه عريبة فيسمى المقرف، وعن أحمد‏:‏ الهجين البرذون‏.‏ ويحتمل أنه أراد في الحكم‏.‏

ومن إطلاق الإقراف على كون الأم عربية قول هند بنت النعمان بن بشير‏:‏ وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل

فإن ولدت مهرًا كريمًا فبالحرى وإن يك اقراف فما أنجب الفحل

وقول جرير‏:‏ إذا آباؤنا وأبوك عدوا أبان المقرفات من العراب

واختلف العلماء فيمن غزا على بعير، هل يسهم لبعيره‏؟‏ فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يسهم للإبل‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من غزا على بعير فله سهم راجل، كذلك قال الحسن، ومكحول، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي‏:‏ واختاره أبو الخطاب من الحنابلة‏.‏

قال ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏:‏ وهذا هو الصحيح إنشاء الله تعالى‏.‏ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أسهم لغير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم ‏"‏بدر‏"‏ سبعون بعيرًا، ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل‏.‏ هي كانت غالب دوابهم فلم ينقل عنه أنه أسهم لها، ولو أسهم لها لنقل، وكذلك من بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم من خلفائه وغيرهم مع كثرة غزواتهم لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه أنه أسهم لبعير، ولو أسهم لبعير لم يخف ذلك، ولأنه لا يتمكن صاحبه من الكر والفر، فلم يسهم له كالبغل والحمار، اهـ‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ من غزا على بعير، وهو لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان، وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس، وعن أحمد‏:‏ أنه يسهم للبعير سهم، ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره، وحكي نحو هذا عن الحسن، قاله ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏.‏

واحتج أهل هذا القول بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ‏}‏ قالوا‏:‏ فذكر الركاب ـ وهي الإبل ـ مع الخيل، وبأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض فيسهم له كالفرس، لأن تجويز المسابقة بعوض إنما هو في ثلاثة أشياء، هي‏:‏ النصل، والخف، والحافر‏.‏ دون غيرها، لأنها آلات الجهاد، فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها‏.‏ تحريضًا على رياضتها، وتعلم الإتقان فيها‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ‏:‏ الذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أنه لا يسهم للإبل لما قدمنا آنفًا، وأما غير الخيل والإبل‏.‏ من البغال والحمير والفيلة ونحوها، فلا يسهم لشيء منه، وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولا خلاف في ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقسم لشيء من ذلك، ولأنها مما لا تجوز المسابقة عليه بعوض فلم يسهم لها كالبقر‏.‏

المسألة الرابعة‏:‏ اختلف العلماء في حرق رحل الغال من الغنيمة، والمراد بالغال من يكتم شيئًا من الغنيمة، فلا يطلع عليه الإمام، ولا يضعه مع الغنيمة‏.‏

قال بعض العلماء‏:‏ يحرق رحله كله إلا المصحف وما فيه روح، وهو مذهب الإمام أحمد‏.‏ وبه قال الحسن وفقهاء الشام، منهم مكحول، والأوزاعي، والوليد بن هشام، ويزيد بن يزيد بن جابر، وأتى سعيد بن عبد الملك بغال فجمع ماله وأحرقه، وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم يعبه‏.‏

وقال يزيد بن يزيد بن جابر‏:‏ السنة في الذي يغل أن يحرق رحله، رواهما سعيد في سنته، قاله ابن قدامة في ‏(‏المغني‏)‏‏.‏

ومن حجج أهل هذا القول‏:‏ ما رواه أبو داود في سننه، عن صالح بن محمد بن زائدة قال أبو داود وصالح‏:‏ هذا أبو واقد قال‏:‏ دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأتي برجل قد غل، فسأل سالمًا عنه فقال‏:‏ سمعت أبي يحدث، عن عمر بن الخطاب، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه‏"‏، قال‏:‏ فوجدنا في متاعه مصحفًا فسأل سالمًا عنه، فقال‏:‏ بعه وتصدق بثمنه‏.‏ اهـ بلفظه من أبي داود‏.‏

وذكر ابن قدامة أنه رواه أيضًا الأثرم، وسعيد، وقال أبو داود أيضًا‏:‏ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي، قال‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق عن صالح بن محمد، قال‏:‏ غزونا مع الوليد بن هشام، ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز فغل رجل متاعًا، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به، ولم يعطه سهمه، قال أبو داود‏:‏ وهذا أصح الحديثين رواه غير واحد، أن الوليد بن هشام أحرق رجل زياد بن سعد، وكان قد غل، وضربه‏.‏

حدثنا محمد بن عوف، قال‏:‏ ثنا موسى بن أيوب، قال‏:‏ ثنا الوليد بن مسلم، قال‏:‏ ثنا زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه‏"‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد ـ ولم أسمعه منه ـ ومنعوه سهمه، قال أبو داود‏:‏ وحدثنا به الوليد بن عتبة، وعبد الوهاب بن نجدة، قالا‏:‏ ثنا الوليد عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، قوله ولم يذكر عبد الوهاب بن نجدة الحوطي منع سهمه، اهـ من أبي داود بلفظه، وحديث صالح بن محمد الذي ذكرنا عند أبي داود أخرجه أيضًا الترمذي، والحاكم، والبيهقي‏.‏

قال الترمذي‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال‏:‏ سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال‏:‏ إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، الذي يقال له أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث‏.‏

قال المنذري‏:‏ وصالح بن محمد بن زائدة‏:‏ تكلم فيه غير واحد من الأئمة‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنه تفرد به، وقال البخاري‏:‏ عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول، وهو باطل ليس بشيء‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد، قال‏:‏ وهذا حديث لم يتابع عليه، ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

والمحفوظ أن سالمًا أمر بذلك، وصحح أبو داود وقفه، فرواه موقوفًا من وجه آخر، وقال‏:‏ هذا أصح كما قدمنا، وحديث عمرو بن شعيب الذي ذكرنا عند أبي داود أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي، وزهير بن محمد الذي ذكرنا في إسناده الظاهر أنه هو الخراساني‏.‏ وقد قال فيه ابن حجر في ‏(‏التقريب‏)‏ رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، وقال البخاري عن أحمد‏:‏ كان زهير الذي يروى عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم‏:‏ حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه‏.‏ اهـ‏.‏